صداع الماضي

موضوع سبب لي صداعا شديدا وأنا أفكر به ، خاصة لما شاهدت برنامجا علميا مساء الأمس ، عن محاولتهم اكتشاف كيف بنى الفراعنة الأهرامات ، وكيف رفعوا المسلات ، وكيف نقلوا قبل ذلك الأحجار الضخمة (( 200 ـــــ 600 طن )) ، من بُعد آلاف الأميال .. لمنطقة صحراوية ، بل محيط من الرمال ؟؟
صداع الماضي .. أتأمل كيف كانت حياتنا قبل النت ، قبل الجوال ، قبل الكهرباء ، وجل هذه الاختراعات ، ثم أتأمل كيف كانت حياة السابقين من أجدادنا .. وكيف كانوا يتساءلون نفس الأسئلة عن حياة من قبلهم ؟؟ باعتبارهم ترأسوا جيلا مئويا ، فهم كانوا على أحسن حال مما قبلهم وتميزوا بأمور ظنوا أنهم محسودون عليها إن أفاق أحد الأموات وشاهد لأي حد من التطور قد وصلوا ..
كيف عاش الناس على عهد الخلافة الإسلامية كالأموية أو العثمانية ؟؟ وأي بساطة كانوا عليها..
أتساءل وأتساءل .. ولا أهتدي لأي جواب ، سوى تأملات جمعها فكري من هنا وهناك ..
تفرغوا سابقا للعلوم ، ودأبوا سفرا ومتابعة وراء تحصيلها ..
تفرغوا للعلاقات الاجتماعية فيما بينهم ..
جهدوا وسهروا في مشاريعهم واكتشافاتهم .. وما ضيعوا الساعات أمام جمود في التلفاز و متابعة القيل والقال وقصص الكذب الدرامية عربية أو تركية أو مكسيكية (( يا لسخافة عقولنا )) ..
بل كانوا يتهافتون على حضور مجالس العلم ... خاشعين قد فاض منهم الإيمان .. وبارك الله لهم في شؤون حياتهم ..
كانوا يقضون جل الساعات مع أبنائهم ، يربون أولادهم ويلقنوهم الأخلاق والفضيلة .. فخرج جيل من الذكور والإناث موحد مبتهل لله .. مطيع لكل ما أمر .
سأبتعد قليلا .. وأخرج من تاريخ الإسلام المنير .. إلى تاريخ بعض الحضارات كالفراعنة ..(( وكانوا أمة ضالة تدين بغير الله .. تمجد وتؤله ملوكها )) ..
عندما يقف المرء العاقل أمام حضارتهم .. لا يجد نفسه إلا وقد مزق جسده من هول ما يرى أو يسمع من أخبارهم .. لأي مرحلة علمية متطورة وصلوها .. وهم سبقونا بآلاف السنين ..
فأنا وكما أبنت في المقدمة .. نحن في هذا القرن المتطور جدا جدا .. لم نستطع للآن فك رموز أبنيتهم ، بل نخمن تخمينا وظنا كيف رفعوا الأهرامات والمسلات .. وكلما اقتنعنا بنظرية جاءت أخرى داحضة لها .. معتمدة اكتشافات ورسومات وكتابات جديدة .
تصورا صخرة واحدة اجتمع على تحريكها 100 رجل مصري .. وأميال من الحبال المتينة الصنع ، كي يحركوها لعشر أمتار فقط ؟؟
إذا اتجهنا لتدمر مثلا .. وشاهدت هذه الأبنية الهندسية الشاهقة ، وهذه الزخارف الباذخة الدقة ، وإلى تلك العواميد المنحوتة والمصقولة .. ومن آلاف السنين شامخة كما وضعت أول مرة .. أما يخطر ببالك كما خطر ببالي سابقا أن أدس رأسي بالتراب ..
سبحان من علم البشر ومكنهم لهذه العلوم !!
أما تقارن بأفعالنا الآن .. وأبنيتنا الملحية وأفعالنا السكرية .. وأفكارنا التي مهما ارتقت تكون من ولأجل الشهوات والغرائز الحيوانية .. في أغلبها ..
فترى أحدنا بلغ الثلاثين (( مثلي )) هو لا يدرك أنه قطع نصف عمره تقريبا وما يزال يشعر أنه من الباكر جدا أن يفكر ..
ويمضي كل العمر .. وما زلنا نشعر هذا الشعور ..
واسأل نفسك ( وأذني أقرب ) بماذا سيذكرك من يأتي بعدك ، لماذا رضينا أن ندثر ونباد ، ثم نمضي العمر ما بين لذة وسكرة ولهو ؟؟
إن نسياننا من البشر الذين سيأتون بعدنا ..ما هو إلا نسيان خالقنا لنا هذه الأيام .. فنحن نسيناه ورفضنا دعوته بالالتزام بما أمر والانتهاء عما نهى .. وسبق أن قلت لكم : هؤلاء أمم ضلوا السبيل وما شاؤوا أن تدثر أخبارهم .. فلماذا إذا دونوا تاريخهم رسما وكتابة على الرُّقم ..ويا أسفي علينا .. لا حس ولا خبرُ، ولا ذكر ولا أثرُ.
هذا الذي سبق هذيان صداعي الذي ما عاد يفارقني ليل نهار .. أسأل الله أن تكون هذه النصيحة بعض من أثر أتركه لأخوتي وأبنائي إن مت قريبا ، فأنا لا أملك إلا هذا القلم