أبو تمام (190؟ - 231؟ه، 806؟ - 846؟م). حبيب بن أوس الطائي، من أعلام الشعراء في العصر العباسي. وقيل إنّ والده اسمه تدرس، وكان نصرانيًا فأسلم وتسمى بأوس وانتمى لقبيلة طيء. والصواب أنه من أصول عربية، ولد بجاسم إحدى قرى حوران في بلاد الشام، وهي تبعد عن دمشق إلى الجنوب40كم. اختُلف في ولادته فقيل 172ه أو نحو 190ه. كما اختُلف في تاريخ وفاته بين 228ه و 231ه. نشأ بالشام نشأة فقيرة، فاشتغل عند حائك ثياب في دمشق، ثم انتقل إلى حمص، ورحل بعدها إلى مصر، وكان يسقي الناس الماء في جامع عمرو بن العاص، وتردّد على مجالس الأدب والعلم، واطّلع على علوم عصره الدينية والعربية والعلوم المترجمة من منطق وفلسفة وحكمة، وساعده على ذلك ذكاؤه وقوة ذاكرته وحصافة تفكيره. وتوفي بالموصل في العراق.
نظم أبو تمام الشعر في فترة مبكرة من حياته ولم يزل يجوّده حتى نَبُه ذكره، فعاد إلى الشام من مصر، ومدح القادة والعظماء فيها، ثم توجه إلى حمص والتقى هناك بالشاعر البحتري. ثم توجه إلى العراق ومدح الوزراء فأوصلوه إلى أبواب الخلفاء، فمدح المأمون ولكنه لم يتصل به اتصاله بالمعتصم الذي أُعجب بشعره وقدَّمه على غيره من الشعراء. فمدحه بالكثير من قصائده، ولعل أبرزها قصيدته في فتح عَمُّورَّية ذات الشهرة الكبيرة ومطلعها:
السيف أصدق أنباءً من الكتبفي حدِّه الحدُّ بين الجدِّ واللعب
ولما اتصل بالحسن بن وهب ومدحه عيّنه على بريد الموصل، وبقي هناك نحو سنتين. وقد وافته المنية ودُفن هناك. وبكاه الحسن بن وهب ورثاه في جملة من رثاه من الشعراء، وهو الذي يقول فيه:
فجع القريض بخاتم الشعراءوغدير روضتها حبيب الطائيماتا معاً فتجاورا في حفرةوكذاك كانا قبل في الأحياء
كان أبو تمام ولوعًا بالأسفار، حاضر البديهة، ذكيًا قوي الذاكرة، واسع الثقافة، رُوي عنه أنه كان يحفظ 14 ألف أرجوزة. له ديوان شعر طُبع عدة مرات، جمع فيه كل فنون الشعر من مدح ورثاء واعتذار ووصف وحِكم وعتاب وغزل وفخر ووعظ وزهد وهجاء، وشرح عدة شروح، أشهرها الذي بين أيدي الناس للخطيب التبريزي. وأكثر شعره في المدح والرثاء، حيث يستغرق هذان الفنّان ثلثي ديوانه، ولذا قيل عنه: "أبو تمام مدّاحة نوّاحة".
ويُعدُّ أبو تمام أول شاعر عربي عُني بالتأليف، فقد جمع مختارات من أجمل قصائد التراث الشعري في كتاب سماه الحماسة باسم الباب الأول والأطول منه. وفيه عشرة أبواب: الحماسة، والمراثي، والأدب، والنسيب، والهجاء، والأضياف، والمديح، والصفات، والسِّير، والنعاس، والملح، ومذمَّة النساء. ولكتاب الحماسة معارضات كثيرة وشروح أكثر، والكتاب يدل على حسن ذوق أبي تمام وعلمه الحصيف بالشعر، حتى قال عنه بعض النقاد: "إن أبا تمام في مختاراته أشعر منه في منظوماته". ولأبي تمام حماسة أخرى تُسمى الحماسة الصغرى أو الوحشيات. وقد وصل إلينا الكتابان السابقان، غير أنه لم تصل إلينا كتبه مثل: الاختيار القبائلي الأكبر والأصغر، وأشعار القبائل، وفحول الشعراء. ويُنسب إليه كتاب نقائض جرير والأخطل، وقد خصَّه الآمدي وصنوه البحتري بكتاب نقدي سمّاه الموازنة بين الطائيين، جعل أبا تمام فيه ممثل مذهب الصنعة والبحتري ممثل مذهب الطبع.
ويمتاز أبو تمام عن شعراء عصره بأنه صاحب مذهب جديد في الشعر، يقوم على الغوص في المعاني البعيدة التي لاتُدْرَك إلا بإعمال الذهن، والاعتماد على الفلسفة والمنطق في عرض الأفكار وإلباسها صورًا من التشبيهات والاستعارات والكنايات. ويقوم فن أبي تمام على الصنعة البديعية. فلهذا تراه يكثر منها كما يكثر من الألفاظ الغريبة، إلا أن شعره يمتاز بقوة العاطفة وحرارتها، مماجعل شعره محببًا إلى النفوس. غير أن شعره يتفاوت سموًا ودنوًا مما حدا بتلميذه البحتري أن يقول: "جيد أبي تمام خير من جيدي، ورديئي خير من رديئه". وقد نشأت دراسات كثيرة تناولت فن أبي تمام في أغراض شعره أو مذهبه الأدبي أو في مؤلفاته أو في الحركة النقدية التي تبلورت حوله. وقصائده المشهورة أكثر عددًا من أن تحصى أو يشار إليها. ومن أبياته السيارة:
لاتنكري عطل الكريم من الغنىفالسيل حرب للمكان العالي
كذلك قوله:
لاتنكروا ضربي له من دونهمثلاً شرودًا في الندى والباسفالله قد ضرب الأقل لنورهمثلاً من المشكاة والنبراس
وقوله:
اصبر على مضض الحسودفإنّ صبرك قاتِلُهفالنَّار تأكل بعضهاإن لم تجد ما تأكله
وقوله:
أحلى الرجال من النساء مواقعًامن كان أشبههم بهنّ خدودا
وقوله يصوّر أيام عشقه الماضية:
أعوام وصل كاد ينسي طولهاذكرُ النَّوَى فكأنها أيامثم انبرت أيام هجر أردفتبِجَوىً أسىً فكأنها أعوامثم انقضت تلك السنون وأهلهافكأنها وكأنهم أحلام
وكذلك قوله:
مسترسلين إلى الحتوف كأنمابين الحتوف وبينهم أرحامآسادُ موتٍ مُخْدَرات مالهاإلا الصوارمُ والقنا آجامُ