اليهود هم الأكثر خصومة و عداءً للمسلمين، في ذات الوقت اليهودية الأقرب للشريعة الإسلامية في تفاصيلها من أية شريعة على وجه الأرض – فيما بقي من دينهم لم تصله يد التحريف وهو قليل - ، فتحريم الخمور وجواز تعدد الزوجات والحجاب، واللحم الحلال من المسائل الفقهية التي دار ويدور حولها جدل ونزاع فقهي بين المذاهب اليهودية المختلفة، خاصة بين المذهبين الرئيسيين السفارديمية والأشكنازية.
حين تقرأ في تفاصيل بعض الأحكام الفقهية اليهودية كما أشارت إليه صحيفة «هآرتس» في تحقيق لها نشرته مؤخراً عن الخلافات الفقهية بين السفارديم والأشكناز، تظن أنك تتصفح كتابا فقهياً إسلامياً، ففي موضوع الحجاب أو غطاء المرأة لرأسها، يثور جدل بين المدارس الفقهية اليهودية، فالمذهب السائد بين السفارديم حول موضوع الحجاب يقوم على فتوى للحاخام "يوسف" حرّم فيها على النساء اليهوديات ارتداء الباروكات، وطالبهن بوضع غطاء للرأس وفقا للقاعدة الأصولية اليهودية الواردة في كتاب «الشولحان عاروخ» والتي تقول «إن شعر المرأة عورة» وهو ما تطبقه النساء السفارديات، أما النساء الأشكنازيات فلا يضعن غطاء للرأس ويرتدين الباروكة.
واللافت في شأن المذاهب الفقهية اليهودية، هو في شدة تأثرها بمحيطها الذي تعيش فيه، ففي موضوع تعدد الزوجات يذهب الأشكناز وهم اليهود الغربيون إلى تحريم تعدد الزوجات، وهو الأمر المرفوض في المجتمعات الغربية، وقد اعتمد الأشكناز في ذلك على فتوى «جرشوم» الحاخام الأشكنازي، الذي ولد وترعرع في ألمانيا، وأما السفارديم وهو اليهود الشرقيون، الذين عاشوا بين المسلمين كيهود الأندلس ويهود اليمن، فيرفضون فتوى الحاخام الألماني، وكان حاخامات السفارديم في الدول العربية يعددون في زواجهم، والطريف أنه مع تأسيس الحاخامية الكبرى وهي المرجعية الدينية لليهود عام 1921 في فلسطين المغتصبة في عصر الانتداب، تمسك حاخامات الأشكناز بتعليمات الحاخام الألماني «جرشوم» بتحريم تعدد الزوجات، فنصت الشريعة الأشكنازية على عدم منح الترخيص بالزواج من ثانية، إلا بموافقة وتوقيع مائة حاخام من ثلاث دول، إلا أنه بعد قيام الدولة العبرية الغاصبة ، ازدادت معارضة الحاخامات السفارد خاصة بعد هجرة مئات الآلاف من يهود السفارد من الدول العربية إلى فلسطين فقصروا الموافقة للتعدد على حاخامين بدل المائة.
وكما يرفض كثير من المسلمين فكرة التقريب بين المذاهب، تجد ذات الفكرة رفضا عند بعض اليهود، بل تجد بعضهم لا يصلي خلف المخالف له مذهباً ، فيحرم بعض اليهود صلاة السفارد مثلاً خلف إمام من الأشكناز، وقد جرت محاولات يهودية عديدة لتوحيد صيغ الصلوات فجوبهت جميعاً بالرفض.
و هناك أيضاً من السفارد والأشكناز من يحرم على السفاردي إلى الآن الزواج من أشكنازية، وكذلك العكس، والطريف أنه وبسبب خلاف فقهي بين المذهبين الرئيسيين في اليهودية حول العدد المعتبر لأيام الدورة الشهرية للنساء، ذكر كتيب ديني يهودي أن أبناء من يتزوجون من سفاردية هم «أبناء حُيّض» وإن كل السفارد بناء على ذلك أنجاس، ويعتبرون أبناء حوائض.
المحصلة المؤلمة في هذه المقارنة السريعة بين الخلاف بين أتباع المذاهب الإسلامية والخلاف بين أتباع المذاهب اليهودية الضالة، أن اليهود استطاعوا وضع خلافاتهم المذهبية والعقدية في نطاق داخلي حتى لا تؤثر سلباً على مصالحهم الكبرى، وهو بالتأكيد ما نجح اليهود فيه وأخفقنا، نحن المسلمين، - رغم أننا مأمورون شرعاً بالتوحد والإئتلاف - في إنجازه، هذه الحقيقة المؤلمة مثبتة على أرض الواقع، وهي أنصع من أن ينكرها أو يجادل حولها أحد.
______________