الصراحة

الصراحة
ضربٌ من ضروبِ الشجاعة لايجيده إلا الفرسان، ولايمارسه إلا الأباة الذين لايعرفون الخوف،
ولايحتلّ الجبن مكاناً في قلوبهم, ولا الكذبُ موقعاً على ألسنتهم التي تحركها النوايا
الطيبة والأخلاق الرفيعة.وهي
أيضاً شكلٌ من أشكال المودة يُظهره المرءُ لتقويم اعوجاج هنا، أو تصويب سلوك هناك،
حفاظاً على صورة من يحب نقية بهية في أعين الآخرين.‏
وببساطة
شديدة نستطيع القول: إنها انعكاس صادق لمشاعر نبيلة تأبى التملق وتكرهُ الكذب والمخادعة
والنفاق.‏
وهذا
هو المفهوم الحقيقي للصراحة الذي ينبغي على كلِّ فردٍ التمسك به وعدم حرفه عن مساره
الصحيح وغايته العظيمة إلا أنَّ بعض الناس وتحت عنوان الصراحة يخرجون عن قواعد الأدب
والسلوك القويم ويكيلون التهم بغير وجه حقٍ، وبدافع عدواني تخريبي هدفهُ الانتقاص من
مكانة الناس وهيبتهم، والنيل من كرامتهم، وفي هذه الحال تتحول الصراحة إلى سفاهة لايجوزُ
السكوت عنها أو تمريرها من دون عقاب، وهنا يحضرني قول لأحد الحكماء : "لاتجاوب
الجاهل بحسب سفهه لئلا تكون نظيره، جاوب الجاهل بحسب سفهه، كي لايكون حكيماً في عيني
نفسه، مثل من يكرم الجاهل كمثل من يلقي صرة لآلىء في رجمة".‏
ومهما
تكن النتائج وأياً تكن العواقب فإن ردع السفيهِ عن غيّه وظلامه ليس فقط أمراً تقتضيه
مصلحة المجتمع، بل هو واجب إنسانيٌّ وأخلاقيٌّ وأدبي تحتّمه الضرورة حتى لاتتسع دائرة
الموتورين والمتصيدين في المياه العكرة، الذين لاعمل لهم إلا التعدي على حقوق الناس
وإلحاق الأذى بهم تحت عناوين عريضة يتقنون المتاجرة بها، ومنها، الصراحة، وإلى هؤلاء
نقول
بصراحة:‏ "حب الأذية من طباع العقرب".‏